مصطفى عبده يكتب : المخاطر التشغيلية نظرة متعمقة
شكرًا لكم على متابعة مصطفى عبده يكتب : المخاطر التشغيلية نظرة متعمقة وللمزيد من التفاصيل
المستوى الأول
المخاطر التشغيلية هي إحتمالية حدوث خسائر مالية أو تشغيلية أو تتعلق بالسمعة التجارية نتيجة لعدم كفاءة أو فشل العمليات الداخلية، أو الأنظمة، أو الموظفين والسياسات الداخلية، أو الأحداث الخارجية.
بعبارة أخرى، هي المخاطر التي تنشأ من الطريقة التي يتم بها تسيير الأعمال اليومية داخل المؤسسة، لا تقتصر هذه المخاطر على الأخطاء البشرية أو أعطال الأنظمة التقنية فحسب، بل تشمل أيضًا الاحتيال الداخلي وتعطل سلسلة التوريد، والتغيرات التنظيمية والقانونية، وحتى المشاكل المتعلقة بإدارة العملاء.
تتميز المخاطر التشغيلية بأنها متأصلة في جميع جوانب عمل المؤسسة، بدءًا من عمليات الإنتاج والتوزيع وصولًا إلى خدمة العملاء وإدارة الموارد البشرية، على عكس المخاطر المالية التي تركز بشكل أساسي على تقلبات الأسواق وأسعار الفائدة، أو المخاطر الاستراتيجية التي تتعلق بالقرارات الكبرى طويلة الأجل، فإن المخاطر التشغيلية تحدث على مستوى أكثر تفصيلاً وتأثيرها مباشر على كفاءة وفعالية العمليات اليومية.
إن فهم طبيعة المخاطر التشغيلية أمر بالغ الأهمية لأي مؤسسة تسعى إلى تحقيق أهدافها بكفاءة واستدامة، فالإدارة الفعالة لهذه المخاطر لا تحمي المؤسسة من الخسائر المحتملة فحسب، بل تساهم أيضًا في تحسين الأداء التشغيلي، وتعزيز سمعة المؤسسة، وزيادة ثقة كافة أصحاب المصالح.
المستوى الثاني
كان هذا هو عيد زواجهم ولذلك فكرة العشاء فى مطعم رومانسي فكرة رائعة وقد أبهرتهم فعلا اللوحات الجدارية على حوائط المطعم الذى يزيد ارتفاعه عن العشرة أمتار مع الأضواء الخافتة والتى شكلت مع الموسيقى الهادئة وأضواء الشموع على المنضدة جوا رومانسياً خلاباً، وبعدما أخذ النادل طلباتهم تركهم مع هذه الأجواء الرومانسية التى تصلح لأن تكون ذكرى رومانسية تمتد لسنوات عديدة،.
هذا ما يسمى واجهة العملاء سواء فى مطعم أو بنك أو شركة تطوير عقارى أو فندق أو شركة صناعية …إلخ.
ودعونا نتركهم قليلا مع رومانسيتهم ونذهب وراء النادل فى الجزء الأخر من نفس المكان، والذي يتسم بأنه على عكس النصف الأول تماماً فى كل شيء فالهدوء بصالة الطعام يقابله صخب وأصوات عالية فى داخل المطبخ ناتج من الأواني والسكاكين وصوت القلى والطهاة الذين ينادون على المساعدين لتوفير مكونات الاطباق، الأضواء الخافتة يقابلها نيران الشعلات المرتفعة، الهدوء فى الخارج يقابله توتر داخل المطبخ، حيث كان هذا اليوم على وجه التحديد وعلى غير العادة هناك نقص في المخزون فممكن لك أن تتخيل حجم التوتر الناتج عن عدم إدارة المخزون بشكل فعال والذي قد يؤدي إلى نقص في المكونات الأساسية للأطباق، مما يجبر الطهاة على تغيير القائمة أوحتى رفض طلبات بعض العملاء، وبالتالي التأثير على تجربة العميل وما يتبعه من التأثير على سمعة المكان وبالتالى الحصة السوقية له.
ولسوء الحظ في هذا اليوم كان هناك تعطل مفاجئ فى الفرن الرئيسى، وذلك بعد اسبوع واحد فقط من تعطل عمل الثلاجات وغسالة الأطباق لمدة يومين كاملين ، ولعل هذا بسبب عدم الاهتمام بالصيانات الدورية والذي قد يؤدي إلى توقف مؤقت، وتلف المواد الغذائية، وتأخير تقديم الطعام، مما يسبب استياء العملاء وبالتالى الخسائر المالية.
ناهيك عن أخطاء إعداد الطعام الناتج من عدم اتباع الوصفات بدقة فى مثل هذا الجو المتوتر أو عدم الألتزام بمعايير النظافة والسلامة الغذائية والذى يمكن أن يؤدي إلى أطباق غير مرضية أو حتى حالات تسمم غذائي، مما يضر بسمعة المطعم بشكل… كارثي ويعرضه…. لمسؤوليات قانونية.
ومع عدم وجود عدد كافٍ من الموظفين المؤهلين في المطبخ وفي قسم الخدمة يمكن أن يؤدي إلى بطء الخدمة، وأخطاء في الطلبات، وتجربة عملاء سيئة وذلك مع ارتفاع معدل دوران الموظفين وفقدان الموظفين بشكل مستمر والذى يزيد من تكاليف التوظيف والتدريب ويؤثر على استقرار العمليات وبالتالى يؤثر على جودة الخدمة، كما ان ضعف الرقابة الداخلية قد يؤدى الى الاحتيال الداخلي وسرقة الموظفين للمواد الغذائية أو الأموال النقدية مما قد يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة.
كل ما سبق هى مخاطر تشغيلية داخلية .. ويوجد أيضا مخاطر تتعلق بالأحداث الخارجية ، والتي منها على سبيل المثال :
مشاكل في سلسلة التوريد وتأخر وصول الموردين والناتج من ضعف حسن إدارة الموردين أو عدم توفر بعض المكونات يمكن أن يؤثر على قدرة المطعم على تقديم بعض الأطباق، ومنها ايضا انقطاع التيار الكهربائي حيث يمكن أن يؤدي إلى توقف العمليات بشكل كامل او جزئى ، وتلف المواد الغذائية، وعدم القدرة على خدمة العملاء، كذلك وجود تغيرات في اللوائح الصحية وعدم الالتزام باللوائح الصحية الجديدة يمكن أن يؤدي إلى غرامات أو حتى إغلاق المطعم. ويقصد بذلك مراقبة الجهات التنظيمية والرقابية مثل البنك المركزى فى مراقبته للبنوك وهيئة سوق المال فى مراقبتها للشركات المقيدة بالبورصة ، والجهات الصحية للمطاعم والفنادق…إلخ.
أيضا حدوث مشاكل في نظام الحجز الالكترونى والدفع الالى حيث أن أعطال نظام الحجز يمكن أن تؤدي إلى فقدان حجوزات العملاء أو الازدواجية فيها، بينما مشاكل نظام الدفع يمكن أن تعطل عملية تحصيل الأموال وتسبب إزعاجًا للعملاء ، هذا بخلاف المشاكل الخارجية مثلما حدث بحريق سنترال رمسيس وما نتج عنه من تعطل لاغلب المحافظ الالكترونية و وسائل الدفع المرتبطة بالانترنت والتعاملات البنكية الهاتفية وماكينات الـ ATM …إلخ.
تخيل كل هذه المشاكل – والتى قد تتكرر كثيراً – كيف سيكون أثرها على تجربة الزوجين الذين قدما خصيصاً لهذا المطعم لتكوين ذكريات قد تمتد لسنوات، بدلا من المرور بتجربة ممتازة فتكون هذه هى أسوء تجربة لهذين الزوجين وهذا أمر طبيعى جدا أن يحدث فى مثل هذه الظروف مع إستياء واضح وانزعاج ممتد.
لكن هذا لم يحدث فى هذه الليلة مع وجود شيف مخضرم ومؤهل علمياً وعملياً والذي يمثل هنا الرئيس التنفيذي فى هذا المطعم ، ومع حصيلة خبرات متراكمة من سنوات عديدة ، حيث تمكن رغم كل ماسبق من إدارة المطبخ بكل كفاءة وفاعلية ، للحفاظ على تجربة مثالية تمتد ذكراها لسنوات لهذين الزوجين “العميلين” وغيرهم من العملاء المتواجدين فى هذه الليلة، وهنا يأتى دور القيادة الحكيمة التى ترى الطريق وسط الاضطراب والضبابية لإحكام الاشراف والرقابة والقيادة للوصول للمستهدفات، جنب الى جنب مع تمكين كامل لفريق العمل … فى المطبخ.
وهنا يأتى أهمية التأهيل العلمى والعملى جنباً إلى جنب مع الخبرات المتراكمة للموظفين فى أي مؤسسة للحفاظ على كفاءة التشغيل وتخفيض أثر مخاطر التشغيل للحد الأدنى وبدون التأثير على جودة الخدمات والمنتجات المقدمة .
من خلال هذا المثال، قد ندرك أن المخاطر التشغيلية في مطعم فخم – أو أى مؤسسة أياً كان طبيعة نشاطها – متعددة ومتنوعة ويمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة وممتدة على جميع جوانب العمل، بدءًا من جودة الطعام والخدمة وصولًا إلى الربحية والسمعة نهاية بالحصص السوقية المرغوبة. لذا فإن إدارة هذه المخاطر بشكل فعال من خلال تطبيق إجراءات وقائية، وأنظمة مراقبة قوية، وخطط طوارئ واضحة أمر ضروري لضمان استمرارية ونجاح المطعم. أو أى مؤسسة تجارية أو مصرفية أو عقارية أو حتى مكاتب مهنية، مع أهمية التأكد من عدم المساومة مع الجودة أو تأثرها، لأنه كما يقال الحفاظ على كفاءة التشغيل يضمن لك استمرار تدفق العملاء الجدد أما الحفاظ على الجودة يضمن لك تكرار تعامل نفس العملاء لمرات عديدة قادمة.
المستوى الثالث
يقول المثل الشعبى المصرى ” أعطى العيش … إلى خبازه ” وعلى الرغم من أن العيش (الخبز) قد لا يحتاج الى صنعة أو مهارة عالية كونه عبارة عن ماء ودقيق يتم عجنهم معاً ليتم انتاج هذا الخبز ، إلا أن لهذا المثل بقية … وهي ” …. حتى وإن أكل الخباز…. نصفه”.
لماذا برأيك يستحق هذا الخباز نصف الخبز … ؟
لانه أدرى الناس بالمخاطر التشغيلية الكاملة المرتبطة بهذه الصنعة ” التى من وجهة نظرى – وقد تتفق معى – إنها مهنة بسيطة ” ولكنها على الرغم من هذه البساطة من منظورى الشخصى الا ان حجم الخسائر والتفليات سيكون كبير ان قمت انا بعملها وهى ليست مهنتى او حتى هوايتى وأبسط هذه الخسائر ضياع الوقت المستنفذ فى القيام بها، ولهذا لك أن تتخيل أنك تتقن كافة المهارات المرتبطة بصنعتك ومجال عملك جنباً إلى جنب مع أمتلاكك للكفاءة المهنية والمؤهلات والتأهيل العلمى والعملى اللازم وأننا ككل… نفس هذا الرجل … لك أن تتخيل النتائج.
وهنا قد يتبادر إلى الذهن أن مفهوم المخاطر التشغيلية يقتصر على المؤسسات والبنوك والشركات الكبيرة، لكن في الواقع، يمكن لأي شخص الاستفادة من فهم هذا المفهوم وتطبيقاته، حتى في حياته اليومية.
فعلى المستوى الشخصي فإن إدارة المخاطر الشخصية وفهم المخاطر التشغيلية يساعد في إدارة المخاطر المالية الشخصية بشكل أفضل. على سبيل المثال، التأكد من سلامة الأجهزة المنزلية (عمليات داخلية)، وتجنب الاحتيال عبر الإنترنت (أحداث خارجية)، وإدارة المصروفات اليومية بكفاءة (عمليات داخلية) كلها جوانب تساهم في تقليل الخسائر المالية المحتملة على المستوى الفردي.
وتحسين الكفاءة الشخصية حيث أن تطبيق مبادئ إدارة المخاطر التشغيلية يمكن أن يساعد في تحسين الكفاءة الشخصية ، على سبيل المثال، التخطيط للمهام اليومية (عمليات داخلية)، وتوقع المشاكل المحتملة (أحداث خارجية)، وتطوير مهارات بديلة – بصورة مستمرة – مع افساح المجال لتدعيم خبراتك الشخصية مع الشهادات المهنية التى تدعم مجال عملك ( حتى وإن كنت طباخ ) كلها تساهم في إنجاز المهام بفعالية أكبر وتجنب التأخيرات والأخطاء بشكل مبكر كما ان هذه الاستعدادات تجعلك أكثر هدؤاً واتزاناً فى حالات الطوارئ والمفاجأت التى تتكرر وتحدث باستمرار – راجع مقالة الأزمة.
بإختصار، فهم المخاطر التشغيلية ليس مجرد مفهوم نظري للمؤسسات الكبيرة، بل هو إطار تفكير يمكن تطبيقه على مختلف جوانب حياتنا اليومية ومشاريعنا الشخصية والتجارية. ومن خلال الوعي والإدارك بالمخاطر المحيطة والمحتملة وأتخاذ الإجراءات اللازمة لتقليل أحتمالية حدوثها وتأثيراتها المحتملة، يمكننا تحقيق قدر أكبر من الكفاءة التشغيلية وتحقيق كافة العوائد ذات الصلة.
وختاماَ نذكر حديث سيدنا محمد عليه أزكى الصلاة وأفضل السلام ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً… أن يتقنه ” صدق رسول الله.
مصطفى عبده
خبير مالي